بتنا في دار ابن زيد هذا خير مبيت، وقد جاؤونا بالعشاء من قصر الأمير، فلما أصبحنا غدونا عليه، فرأيناه شاباً ذكياً ليس بالمتعلم، ولكن له مشاركة في بعض علوم الدين ويحفظ شيئاً من الحديث تلقّاه في مجالس العلم. وتلك سنّة سنّها عبد العزيز رحمه الله، فجعل أكثر ليله للعلم وللعبادة؛ يأتي مجلسَه العلماء فيقرؤون فيه كتاباً، فإذا أتمّوه شرعوا في غيره، وتكون شروح ومناقشات علمية يشترك فيها بنفسه. وقلّده أمراؤه في ذلك وساروا على سُنّته، فمِن هنا حفظ هذا الأمير الشابّ ما حفظ.
وقد نسيت أن أقول إنه استقبلنا على عتبة الباب وأفاض علينا البِشْر والإيناس، وجلس معنا يحدّثنا ونارُ الغضا تكاد تلفح وجوهنا. ولبثنا على ذلك ساعة، لم يدع فيها الأمير دقيقة واحدة قوله: قهوة، شاهي، شاهي، قهوة. ينطقون كلمة القهوة بتسكين القاف، وكذلك الأعراب اليوم كلهم في الشام والعراق والجزيرة، مع أن من سنن العرب الأوّلين في كلامهم أنهم لا يبدؤون بساكن