الآن وصلتُ إلى الباب الذي أدخله إلى الكلام عن الكلية الشرعية، التي افتتحتُ الفصل بكتاب مديرها الشيخ حسن الشطي رحمه الله. وقد اجتزت إليه هذا الدهليز الطويل لأبيّن لكم أن إنشاء هذه الكلية لم يكن بداية العناية بالعلوم الشرعية، وأنه كان قبلها علماء، دارُ كل واحد منهم ومسجدُه مدرسةٌ مفتّحةُ الأبواب حافلة بالطلاّب، يُقبِلون عليها لا يرجون منها شهادة ولا يطلبون بعد الشهادة وظيفة، بل يطلبون العلم لله، والمشايخ يعلّمونهم لله، يبتغون في ذلك سنّة السلف من هذه الأمة.
بل سنّة متأخّري السلف، حين صارت الحركة العلمية مثل النوافير الصناعية، تعلو كعمود من النور، يتدفّق ماؤها ظاهراً كأنه نوافير دمشق القديمة، وكأنه النافورة الأثرية المشهورة عند باب الأموي الشرقي التي سُمّي الحيّ باسمها، يجري ماؤها أبداً، لا يجري منها في الحقيقة ماء ولا يتبدّل، إنما هو محرّك وسطل ماء يدفعه المحرّك فيعلو ثم يدعه فيعود إلى مستقَرّه، يتردّد ولا يتجدّد. وكذلك كانت الحركة العلمية: وقَفَ الابتكار وكلّت الأذهان وضَعُفَ البيان، وعُدنا نجترّ ما غذّانا به الأولون