حَسِب قوم ممن قرأ الحلقة السابقة من الذكريات أني أحدثت في التلبية حدَثاً أو ابتدعت فيها بدعة أو أنني استبدلت بالمأثور منها أمراً مخترَعاً، وأنا أعوذ بالله أن أكون مخالفاً سنّة أو داعياً إلى بدعة، ذلك أن صيغة التلبية لا يُعدَل عنها ولا يُستبدل بها لأنها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن كلامي كان عن اللهجة التي تؤدّى بها.
إن لهجة الكلام تكون أحياناً أبلغَ في الدلالة على مقصد المتكلم من معاني ألفاظه. إن كلمة «صباح الخير» مثلاً (وهي تحيّة أكثر الناس، وإن كان الأفضل في تحية أهل الإسلام إفشاء السلام) صباح الخير قد تكون شتيمة إذا ألقيتها على رفيقك وأنت مزموم الحاجبَين مضموم الشفتين غير ناظر إلى عينيه بعينيك، وقد خفضت بها صوتك وأطلت بعدها صمتك. وربما كان منها أجمل سلام أو كانت مناغاة غرام إذا قلتها وقد برقت عيناك وانبسطت شفتاك، وهززت معها رأسك هزّة المودّة ورقّقت بها صوتك. وربما كان معناها أني «لا أباليك ولا أشعر بوجودك» إذا قلتها كأنك تُلقي نشرة الأخبار تتحدّث عن الرياح والأمطار. والعفو من إخواننا المذيعين، فما أردت إلاّ ضرب الأمثال.