بل ربما نطقتَ بالشتيمة وأنت ضاحك السنّ مبتهج النفس، فيفهم منها رفيقك أنك تحبه وتودّه وترفع الحُجُب بينك وبينه وتخلطه بنفسك.
فهل تظنون أن الصحابة الكرام -حينما كانوا يلبّون- يلبّون بهذه اللهجة الرتيبة المتكرّرة الإيقاع، أم يلبّون من قلوب ملأها الإيمان؟ وللإيمان وَقْدة تبدو حرارتها على اللسان فتسري إلى السامع فتهزّه، كما تسري الكهرباء في جسد من يلمس سلكها فيصير مشحوناً بها، فمَن وضع يده عليه سرى تيّارها إليه.
هل تظنون أن الصحابي عندما كان يلبّي كان ذهنه في النغمات والإيقاع، يحاذر أن يخرج عليها أو أن ينشز عنها؟ هل سمعتم بأن الصحابة أو التابعين وأن أهل الصدر الأول كانوا يلبّون هذه التلبية الجماعية، يتقدّمهم واحد يقول فيُعيدون ما قال، كأنهم أطفال في مدرسة الحضانة يتعلمون حروف ألف باء؟ أم تحسبونهم كانوا يلبّون ليسمعهم الناس؟ كان كل واحد منهم يربط بالله قلبه ويخاطبه وحده، ينسى مَن معه، يسدّ الأبواب كلها من حوله فلا يبقى إلاّ باب واحد هو الذي فوقه، الباب الذي يظلّ مفتوحاً دائماً لا يُسَدّ أبداً: باب الله الذي فتحه للداعين وقال لهم: ادعوني أستجب لكم.
لذلك كان موقف عرفات منبع عزّة المؤمنين. إن القلوب كالمذاخر (١)، كلما ضعفَت فيها كهرباء الإيمان شحنَتها «عرفات» بطاقة جديدة منها فعادت كما كانت.