للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-٨٧ -

[السنة التي مات فيها شيخ الشام]

مرّ على دمشق في أوائل هذا القرن من جليل الحوادث وفادح الخطوب ما لو مرّ على الشامخات الرواسي لَجَعَلها دكاً، أو وقع على الجلاميد الصمّ لصيرّها هباء، فأعدّت له الإيمان الذي لا يزلزله رُزْء والثباتَ الذي لا تُزيله مصيبة، وصبرت عليه صبر العظيم على العظيم، حتى تعوّدَت مسّ الضرّ وأَلِفَت قوارع الدهر، وصارَت إن أصابتها سِهامٌ تكسّرَت النِّصالُ على النصال.

وغدا أبناؤها -لهول ما رأوا من البلاء وما راضوا نفوسهم عليه من الصبر- لايألمون لمصيبة ولا يجزعون لنائبة، ويهتفون بالزمان كلّما تعب من مَساءتهم:

إنْ كانَ عندكَ يا زمانُ مصيبةٌ ... ممّا تسوءُ بهِ الكرامَ فهاتِها

نَكبَت دمشقَ الحربُ، أعني الحرب العامّة الأولى، فقلّت الأقوات حتى أكل الناس العُشب، وباد الرجال: مَن لم يَمُت منهم برصاص الحلفاء الإنكليز والفرنسيين ومن لم يَمُت من الجوع مات على مشانق جمال باشا، حتى لم يبقَ في دمشق إلاّ شيوخ رُكّع، ونساء جُوّع، وأطفال رُضّع. فشيّعَت دمشق من مات

<<  <  ج: ص:  >  >>