طبعتُ رسالتي «دمشق بعد تسعين عاماً» سنة ١٣٤٨هـ، وأنا أتخيل الآن ماذا تكون حالي لو أنني نمت عشية ذلك اليوم في الكهف الذي نام فيه الفتية الذين آمنوا بربهم فلم أستيقظ إلاّ سنة ١٤٠٨هـ، فإذا الأرض غير الأرض والناس غير الناس، وإذا كل شيء قد تبدّل: انقلبت الموازين واختلّت المقاييس، كَبُرَ الصغير وصَغُرَ الكبير، وعزّ الذليل وذلّ العزيز، ولم تعُد العظمة دائماً بما تحوي الرؤوس ولكن بما تصنع الأقدام، فالذي يرمي الكرة برجله فيُدخِلها الشبكة في الملعب أشهر وأكبر في الناس من الذي يكشف في العلم مجهولاً، أو يحلّ معضلة، أو يبني في صرح الأدب رفرفاً يكون لأمّته ذخراً وفخراً. والذي يسلّي الناس على المسرح أشهر من الذي يعظهم في المسجد على المنبر، أو يعلّم في الجامعة أبناءهم، أو يداوي في المستشفى مرضاهم. وغدا أمثال عادل إمام ودريد لحّام أعرفَ في الناس من مدير الجامعة أو من شيخ الأزهر وأذْيَعَ اسماً وأشهر.