مرّ على دخول الفرنسيين دمشق أربع سنين وجاءت الخامسة، وكانت دمشق كالحطب الجافّ ينتظر أن تلامسه النار ليشتعل. ومن شأن الحطب الجزل أن يبطئ دخول النار فيه ويبطئ خروجها منه، فلا بدّ لاشتعاله من أعواد صغار أو حزمة من القش، وكان الطلاب كهذه العيدان، وطلاّب مكتب عنبر على التخصيص. ففي سنتنا الأولى فيه كانت الفورة (ولا أقول الثورة) على المدير الأميرالاي، أي الكولونيل سابقاً في الجيش العثماني شريف بك رَمُو، وكانت محدودة بجدران المدرسة لم تجاوزها.
وفي الثانية (وكنت في الصف الثامن) كانت فورة أكبر، خرجَت من المدرسة فامتدّت واتسعت حتى شملت البلد كله وشارك فيها أهله جميعاً، وكانت الحلقة الأولى في سلسلة النضال للاستقلال التي بدأت بهذه المظاهرة (١) ثم تعاقبت فيها
(١) بل كانت قبلها حلقة يوم وصلت دمشق بعثة كراين الأميركية لتقصّي الحقائق، ولم أشهدها ولكن سمعت خبرها.