عرفتم أني انتقلت في شتاء سنة ١٩٦٣ (١٣٨٣هـ) إلى الرياض، وانتقل معي من دمشق شتاؤه وبرده، ولكن لم تنتقل مدافئه ولا الوسائل التي كنا نتخذها لدفعه؛ فكأنه عدوّ داهم بلدة كانت آمنة مطمئنّة لم تستعدّ لحربه، بل هي لم ترتقب هجومه. وأحسب أنه من تلك السنة بدأ الناس في الرياض يستعدّون للشتاء بالمدافئ: ما كان منها يوقَد بالحطب، وهو قليل، وما يوقَد بالنفط وما يُشعَل بالكهرباء.
وكنت امرءاً يؤذيه البرد ويهون عليه معه حرّ الصيف مهما اشتدّ، لا لأني شيخ يقول:
إذا جاءَ الشتاءُ فأَدْفئوني ... فإنّ الشيخَ يؤذيهِ الشتاءُ
لأنني لم أكن قد صرت يومئذ شيخاً بل كنت كهلاً في الخامسة والخمسين، وكنت لا أزال على بقية صالحة من قوة الشباب واحتماله. وأنا بحمد الله حمداً كثيراً قوي البناء متين الأعضاء، أمشي سويّاً قوياً ثابت الخطو، لكنني تزحلقت في حياتي مرات،