للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ما زلت أعود فأتزحلق فأقع على ظهري أو جنبي، فأبقى مُلقى أياماً ربما طالت حتى صارت أسابيع وشهوراً. وكان الذي أتزحلق به حصاة صغيرة جداً لا تزيد في مقدارها على الحمصة، بل ربما نقصَت عنها. ولو كانت على الطريق لدعست عليها (ولا تقُل دهست) أو لتنحّيت عنها، ولكنها كانت حيث لا تصل يدي إليها ولا أملك أن أحرّكها فأدفع أذاها، كانت في الكُلْية أو في حوضها (وهذا أهون ما يكون من شرّها) أو كانت في الحالب. وهو مجرى ضيّق، إذا كانت ساكنةً فيه سكَتَ عني ألمُها، فإن تحرّكت أو شدّ عليها فضاق عنها كان الذي عرفت من ألمها. فهذا الألم يجيء في لحظة، كما يجيء القدَر النازل نعوذ بالله منه، ويذهب في لحظة، فكأن الذي كان ما كان.

* * *

وبتّ الليلة لا أشكو شيئاً، فلما كان هزيع من الليل سُمع في الحيّ صوت: آه، يقتلعها مرسلُها من قرارة القلب ويبعثها مسربَلة بالألم، يسمعها الجيران مرّة كل دقيقتين، ثم صارت مرّتين كل ثلاث دقائق، ثم تسارعت حتى صارت تمشي مع دقة الثواني في الساعة، فكلما قالت الساعة «طق» قال هذا الصوت «آه»! وكان مطلقها هو أنا. وكنت أعرف هذه الآلام من القديم، ما شكوت في عمري غيرها. تقول التي تصاب من النساء بها (وهي تعرف آلام الولادة) أن آلامها تُشبِه آلام الولادة، فهل سمعتم بما تقاسي الوالدة حين الطلْق وما تتحمل حتى يخرج الولد إلى هذه الدنيا؟ لذلك كان أحطّ الناس وأخسّ الناس وألأم الناس من يعقّ أمه، وينسى صنيعها له ويعاملها بالشرّ والأذى.

<<  <  ج: ص:  >  >>