أنا لا أعرف أهل معهد أو مدرسة لهم تعلُّق بمعهدهم أو مدرستهم كتعلق النَّدْويين بنَدْوتهم، ينتسبون إذا انتسبوا إليها لا إلى آبائهم، ويجتمعون عليها أكثر مما يجتمع أفراد الأسرة على أنسبائهم، فكل مَن دخلها حمل لقب «النَّدْوي» فعُرف به لا بلقب أهله. لا أعرف مثل ذلك إلاّ للأزهر، الذي انتسب إليه مِن طلبة العلم فيه جماعة فصاروا يُعرفون في بلادهم ويُعرف بنوهم من بعدهم بآل الأزهري.
أما «الأزهر» فشيخ طال به العمر ومرّت به الأحداث والغِيَر، أُقيمَ أولاً لغير الحقّ فأبى الله إلاّ أن يجعله للحقّ، وأن يكون مثابة العلم حين مرّت بالمسلمين عصور أقفرت فيها من أهلها منازل العلم، منها ما أُغلقت أبوابه وأُطفئت مصابيحه، وبقي الأزهر مفتَّح الأبواب ساطع الأنوار، يقصده الشباب والطلاّب من كل بلد من بلدان المسلمين. ثم أدركه الكِبَر ووَنَت منه الخُطا فقصر عن مسايرة الجامعات والمعاهد، فجاؤوا بالأطباء ليعالجوه، فسمعوا شكواه وعرفوا أوجاعه، ولكنهم (إما لنقص في علومهم، أو لغرض في نفوسهم، أو لرغبة أبداها لهم مَن كان إليه أمر انتخابهم