هذا البيت مطلع قصيدة للأستاذ العقّاد في يوم الجلاء، أخطرَه على بالي الآن أني أكتب عن هذا اليوم. ولست أدري ما الذي زين للعقاد -غفر الله له- أن يفتتح به قصيدة في التهنئة، وهو لا يبعث في النفس شعور التهاني بل أشجان العزاء، وإني لأتخيّل هذا البيت في مطلع القصيدة كالنائحة في العرس أو الضاحكة في المأتم! وأتصوّر أن الأستاذ حسب الشام خلت من سُكّانها أو أنهم نسوا أيام انتصارهم وموطن فخارهم، فهو يذكّرهم بها (١).
وربما اقترنَت الذكرى أحياناً بمشهد تراه العين، أو نغمة تسمعها الأذن، أو رائحة يشمّها الأنف، أو لفحة حرّ أو لذعة برد ... وأنا رجل ذاكرته بصرية لا سمعية، ولكن بعض النغمات يرتبط عندي ببعض الذكريات، فأنا لا أسمع الأغنية التي تشدو بها أم كلثوم والتي فيها «مينْ في حُبّه شافْ هَنا زيّي أنا» إلاّ كرّت
(١) بل لأن الأستاذ العقّاد لم يكن يوماً شاعراً مطبوعاً إلاّ عند من طبع الله على ذوقه.