بي الأيام راجعة فرأيت نفسي في سلمية سنة ١٩٣١ لمّا أُرسِلت إليها معلّماً في مدرستها، ولا أسمع قصيدة «يا شام» تغنّيها فيروز إلاّ عُدت إلى أيام الانفصال، ولا أسمع «ليلة الوداع» لمحمد عبد الوهاب إلاّ عُدت إلى سنة ١٩٣٧ حين كنت أدرّس في بيروت وأُوفِدَ أخي عبد الغني إلى باريس ليأتي منها بالدكتوراة في الرياضيات.
وقد يسمع غيري هذه الأغاني فلا تثير في نفسه ذكرى. يقول هيراقليط الفيلسوف اليوناني:"لو أن مئة شخص شهدوا مشهداً واحداً لأثار في نفوسهم مئة إحساس". أو لعلّ القائل فيلسوف يوناني آخر، فما يهمّني الآن تعيين القائل ولكن يهمّني اللفظ المَقول.
وقد أسمع أغنية عامّية اللفظ سوقية الأسلوب فتفتح عليّ باب التخيّل، فأرى فيها عالَماً لا يراه غيري مِمّن يسمعها. كهذه الأغنية التي تقول «ما في حدا، لا تندهي ما في حدا»، إنها تملأ صدري حزناً وقلبي بالشجن، حين أتصوّر من يأتي دار أحِبّته الذين استودعهم قلبه وأولاهم حُبّه، فناداهم كما كان ينادي، فإذا الدار خلاء ما فيها أحد يردّ النداء. ويتوارد على ذهني حين سماعها كلّ ما أحفظ في بكاء الديار ومخاطبة الأطلال.
لذلك يرنّ في ذهني كلّما سمعت هذا البيت للأستاذ العقّاد رحمه الله صدى الأغنية المشهورة، التي وُلدَت بعدها آلاف الأغاني وماتت وهي تدور على ألسنة الناس تنتقل من الأجداد إلى الأحفاد، أغنية:«الحنّة الحنّة يا قطر الندى». وأنتم تعرفون أن