أعود إلى الحديث عن مكتب عنبر. ولعلي لا أخطئ إن قلت إن الحديث عنه وعن أساتذتي فيه أشهى إلى النفس من الحديث عن داري وأهلي فيها. ولقد فكّرت أن لماذا أحنّ إلى الماضي؟ لماذا أجد كلّما سمعت في الإذاعة أو قرأت في الصحف حديثاً مع شيخ مثلي عالي السن، لماذا أجده يفضّل أيامه الخوالي على الحواضر من أيام الناس؟
هل كان الأمس دائماً خيراً من اليوم؟ هل كانت الأخلاق كلها أفضل، والناس جميعاً أكمل، والحياة بكل ما فيها أجمل؟ هل كان الطلاّب كلهم أكثر جداً واجتهاداً، وكانت المناهج أغنى بالعلوم وأحفل؟ هل كان المدرّسون جميعاً أعلم بما يدرّسون من مواد، وكانوا أشد إخلاصاً وأكثر عناية بالطلاب وحرصاً على نفعهم؟
وهذا يجرّني إلى سؤال، لا أجيب عنه الآن بل أدع جوابه لحلقات آتيات من هذه الذكريات، هو: هل كان علماء القرن الذي ودّعناه من قريب خيراً من علماء اليوم؟