للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-٤٢ -

دمشق

صُوَر من جمالها وعِبَر من نضالها

عرفتم من سياق هذه الذكريات أني نشأت في مجتمع صغير، في بلد كان يوماً من عواصم الحضارة والعمران وقلاع القوّة والعِزّة، وكان حاكمه هو السيد المُطاع في ثلث المعمور من الأرض في بقعة تمتدّ من حدود الصين وأواسط روسيا إلى إسبانيا وقلب فرنسا، وكان البحر الأبيض المتوسط بحيرة في أملاكه الواسعة، يملك أكثر شطآنه وتتجول أساطيله في لُجّته وخلجانه. ثم تضاءل هذا الملك الكبير ونقص الدهرُ أرضَه من أطرافها، فضمّ بعضها إلى بعض حتى صارت دمشق بلدة تعيش على هامش الحياة. ولكن مَن كانوا فيها كانوا سعداء بهذه المعيشة لأنهم نشؤوا فيها ولم يعرفوا غيرها.

في هذا البلد وفي ذلك العهد فتحت عيني على الدنيا. كان قد وصل إلينا جانب صغير من حضارة العصر فقنعنا به، وكان لدينا إرث كبير من فضائل الماضي فحافظنا عليه. لا نهتمّ بسياسة ولا نتزاحم على رياسة، تركنا الأمر للوالي العثماني الذي كان

<<  <  ج: ص:  >  >>