للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-١٢٠ -

دفاع عن الأطبّاء

كانوا يقولون قديماً: «وعداوةُ الشّعراءِ بئسَ المُقتنى»، لأن مَن يعاديهم يتعرّض لألسنتهم ولا يسلم من هجائهم، ومن الهجاء ما يهبط بالعالي ويُذِلّ العزيز ويفضح المستور. على أن عداوة الأطبّاء أشدّ من عداوة الشعراء، فالأطبّاء بيدهم أسباب الموت والحياة، وإن كانت الحياة والموت بيد الله، وقد توجد الأسباب ولا يكون المسبّب. والشعراء لا يستطيعون أن يُميتوا أحداً. ولقد كان الناس يخشون لسان الفرزدق، فجاءه مرّة رجل من غمار الناس يقول له: هل أموت إذا هجوتَني؟ قال: لا. قال: هل تموت امرأتي أمّ كذا؟ (ونسيت أم ماذا) قال لا. قال: هل يموت حماري؟ قال: لا. فأسمعه كلمة سبّ فظيعة لا أستطيع أن أرويها.

على أنني ما عاديت الأطبّاء ولا أستطيع أن أعاديهم، لأنهم من ركائز الحضارة البشرية ولأنهم من رموزها الظاهرة. للحضارة رموز تُقاس بها، منها الحاكم العادل، منها القضاء الحرّ النزيه، منها التعامل بين الناس، منها الأطبّاء والمحامون وأرباب المهن ومعاملتهم واستقامتهم أو انحرافهم ... فلا تظنّوا أني عدوّ

<<  <  ج: ص:  >  >>