للأطبّاء، فإن الذي يبيّن للإنسان مرضه ليعمل على الخلاص منه يكون صديقاً ولا يكون عدواً، وهذا الذي صنعته أنا مع الأطبّاء. هم يبيّنون للناس أمراضاً ليداووها، وأنا بينت لبعض الأطبّاء بعضَ أمراضهم الخلُقية والاجتماعية ليعملوا على الخلاص منها.
ولي بين الأطبّاء أصدقاء، ولي من الأطبّاء أساتذة وإخوة كرام.
وعندي من طرائف الحوادث مما يُسجَّل لهم مثل الذي ذكرت بعضه فسُجّل عليهم. من ذلك أنه كان عندنا في المدرسة الثانوية (مكتب عنبر) طبيب معروف اسمه الدكتور يحيى الشمّاع، كان يدرّس لنا الكيمياء، فلما انتهى عهدي بالدراسة صرت صديقاً لمن كان أستاذاً لي في المدرسة، شرّفوني بمودّتهم وفتحوا لي أبوابهم، فكنت أتردّد عليهم لا طمعاً بدنيا أنالها منهم بل وفاء لهم واعترافاً بفضلهم.
زرت الدكتور الشمّاع يوماً مبكّراً، وكان جاراً لنا في المهاجرين، أصحبه إلى البلد فأستفيد منه على الطريق. وكان من عادته أن ينزل إلى البلد ماشياً، ولكنه كان في ذلك اليوم مستعجلاً فركبنا الترام من أول الخطّ حيث يقلّ الركّاب، ودخلنا مقصورة الدرجة الأولى فلم نجد فيها إلاّ أحد جيراننا، وهو رجل كهل وقور، فسلّم على الدكتور وعليّ، ثم شكا إليه ألماً يجده في بطنه وأخذ يصفه له، فقال له الدكتور: تفضل معي إلى العيادة لأكشف عليك. قال: لماذا العيادة؟ وتمدّد على مقاعد الترام وبسط رجلَيه وكشف عن بطنه وقال: ها هنا الألم. وكنّا قد بلغنا المحطّة التالية