فللأطبّاء على الناس أنهم يستغلون وجودهم حيثما وجدوهم ليتداوَوا من غير أن يدفعوا أجرة المداواة. وأكثر الأطبّاء يستحيي فلا يعترض، أو يكون الذي صنع ذلك صديقاً له عزيزاً عليه يحترمه فلا يقدر أن يصرّح له.
وقد حدّثني الدكتور الشماع نفسه أن جماعة جاؤوه وهو راجع من صلاة الفجر، والجوّ لم يخلص من غبَش الليل وإن تعارفَت الوجوه، فشكوا إليه أن عندهم مريضاً حالته مخطرة وآلامه شديدة ولا يستطيع أن ينزل إليه ليفحصه. وكان هذا الطبيب طيّب القلب لين الجانب، فقال: هلمّوا بنا، أنا أذهب إليه.
وحيّ المهاجرين في الشام مبنيّ من غير تخطيط سابق، ففيه الجادة الأولى التي يمشي بها الترام تمتد ما بين المشرق والمغرب، وفوقها الجادة الثانية موازية لها فالثالثة فالرابعة (وقد بلغن الآن أكثر من عشر جادّات) وطرق صاعدة توصل من جادة إلى جادة. وكان المريض في الجادة العاشرة ولا تستطيع السيارة أن تصل إليها. وكان الدكتور ممتلئ الجسم ثقيل الوزن كبير السنّ، ولكنه آثر -كما حدّثني- رضا الله والعمل الإنساني على راحته، فمشى معهم، فلم يكد يصل إلى البيت حتّى أوشك أن يسقط من التعب. فلما بلغ باب الدار جاء من يخبر مَن معه أن المريض شفي ولا يحتاجون إلى الطبيب. وقالوا له: اصرفه لئلاّ ندفع أجرته.
فحاول الرجل أن يعتذر إلى الدكتور ليصرفه، ولكنه خجل