لامني قوم وقالوا إني أخرج من خطّ الذكريات المتّبَع فلا أسلكه، بل أمشي في طريق جديد.
وأنا أعترف بهذا، لأنني لم أُرِد أن أكون كسائق السيارة الذي لا ينظر إلاّ إلى الأمام، بل كراكبها الذي يتلفّت يمنة ويسرة ويرى ما يمرّ به من مشاهد ويصف ما يرى. لست كالجندي المرسَل في مهمّة مستعجَلة فهو يسرع إلى قضائها، بل كالسائح المتمهل الذي يرى ويسمع ليستمتع ويستفيد.
لذلك جئت اليوم أكمل الكلام عن الحياة الأدبية قبل خمسين سنة، ألخّص هذه المقالات التي كتبها عن كل قطر أديبٌ من أبنائه، لا أعدّل فيها ولا أبدّل بل أختصر وألخّص وأروي. إنها صورة نادرة تنفع دارس الأدب، ثم إنها تتّصل بذكرياتي لأنها تعليق على إحدى مقالاتي. وليست صورة شمسية (فوتوغرافية) ترسمها آلة جامدة، بل هي لوحة حيّة يعرضها إنسان يحسّ، فتجيء مترجمة عن نفسيّته كما تجيء مصوّرة للأدب في بلده.
ولا يشكّ أحدٌ أن الحياة الأدبية في تلك الأيام في سوريا