بقيت في هذه المدرسة إلى سنة ١٩١٨، فماذا بقي لديّ من ذكرياتي الشخصية فيها؟ لقد قلبت جيوبي، ونفضت ثوبي، وفتّشت كل زاوية من ذاكرتي، وبحثت في كل ركن فلم أجد إلا القليل الذي سأجلوه لكم.
أمّا الذكريات العامّة فقد كان منها الكثير، وإن لم أدرك منها يوم حدوثها إلا ما يدركه ذلك الولد الصغير. وكانت أياماً عشتها ورأيت أحداثها، ولكني لم أستوعبها، وأحس الآن وأنا أتحدث عنها كأني أسرد قصة حلم من الأحلام أو رؤيا منام، صحا مَن رآها فلم يجد في يده شيئاً منها.
أشعر كأني ألخّص صفحات من تاريخ قديم، قديم جداً. إي والله، لقد تبدّلَت حياتنا كلها من سنة ١٩١٤ إلى سنة ١٩٨١؛ لم يبقَ شيء على ما كان عليه. وأنا إنما أعني هنا أوضاع الدنيا، أمّا الدين فلم يتبدّل لأن الذي أنزله هو حافظه. من هذه الأوضاع ما صار إلى أحسن مما كان عليه، ومنها ما ساء وفسد.