أعددت صحائفي وأمسكت قلمي لكتابة هذه الحلقة، فإذا الهاتف من إدارة الجريدة يخبرني بأن أحمد مَظهر العَظْمة الذي ذكرتُه في الحلقة الماضية قد تُوفّي من شهر، نبّأ بذلك رجل قادم من دمشق.
فسالت مدامعي والله من حيث لا أشعر، ورأيت من خلال الدمع خيال تاريخ طويل مرّ بي في لحظة، تاريخ كله حياة ونشاط وإخلاص وعمل لوجه الله لا للناس، ومال ومنصب وشهرة وشِعر ونثر، كل ذلك غطّت عليه كلمة من ثلاثة أحرف، هي كلمة «الموت»! رحمه الله رحمة واسعة. أسّس «جمعية التمدّن الإسلامي» من خمسين سنة، وبقي قائماً عليها يحرّر مجلّتها ويكتب فيها، ويقوم على ناديها، ويدعو المحاضرين إليه ويحاضر هو فيه، وكان يدوّن بنفسه أسماء المشتركين في المجلة ويكتب هو عناوينهم بيده ويلصق الطوابع بذاته، ليوفّر على الجمعية أجرة موظف يتولى هذا العمل. يجيء الجمعية كل عشيّة في موعد لا يتأخر عنه ولا يتقدم، عادة استمرّ عليها هذه المدّة كلها حتى