للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد أن صار رئيس مفتّشي الدولة خلفاً لأخي نهاد القاسم، وهو منصب رفيع يراقب منه الوزارات كلها، له الحقّ أن يدخل عليها ويسمع كل شكوى منها ويحقّق فيها. ولمّا كان الانفصال عن مصر (وسيأتي حديثه) وأُلِّفت أول وزارة أعطوا الإسلاميين ثلاث وزارات، مع أن الإسلاميين هم دائماً أصحاب العمل، ولكن القاعدة في كل بلد في مثل هذه الحال هي:

وإذا تكونُ كَريهةٌ أُدعى لها ... وإذا يُحاسُ الحَيْسُ يُدعى جُنْدُبُ

وكان لي رأي في اختيار الوزراء الثلاثة، فأصررْتُ على أن يكون الأستاذ مظهر واحداً منهم. صار وزيراً ولكن لم يبدّل عادته، ولم يأخذ دقيقة من وقت الجمعية وإن لم يقصّر في أعمال الوزارة، وبقي يكتب العناوين ويلصق الطوابع، لم يبدّله المنصب ولم تغرره الوزارة لأنه كان أكبر من المنصب ومن الوزارة.

عرفتُه من أيام المدرسة (وإن كان في السن أصغر مني وكان في الصفوف بعدي)، وكنا -كما عرفتم- نسكن في الدّيمَجيّة في طرف العُقَيبة وهو في السّمَّانة. وهذه أسماء أحياء صغيرة فقيرة (ولكنها ليست حقيرة) في دمشق. منها خرج أحمد مظهر العظمة وأنور العطار وشكري فيصل، ومن جوارها خرج أحمد حمدي الخيّاط، وأظن ولا أؤكد أن معروف الأرناؤوط وخير الدين الزّركلي منها. أما العلماء من هذا الحي فكثير. وكان إلى جنب داره مسجد صغير ما له إمام ولا خادم، فتبرع هو فكان مؤذّنَه وإمامَه وخادمَه، وكان يُقيم فيه صلاتَي المغرب والعشاء، حتى أيام تولّيه الوزارة، ولا يستنكف عن كنسه بنفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>