مرّت على دخول هذه المدرسة سنتان، وقد جاء الامتحان. والامتحان اليوم كتابي، يقعد التلاميذ على مقاعدهم، يُعطَون ساعة أو ساعتين ليفكروا ويتذكّروا ويكتبوا على مهل، إن عطشوا طلبوا فجاءهم الماء أو ما شاؤوا من حلو الشراب، وربما سُمح لهم أن يدخّنوا ... إي والله، الطلاب يدخّنون في الامتحان! عشنا حتى رأينا هذا بأعيننا، وقد صار مألوفاً (معروفاً) لا نملك أن ننكره فينكروا علينا إنكارنا.
أما الامتحان الذي أحدّثكم عنه في هذه الحلقة (وعن أمثاله فيما يأتي من الحلقات) فقد كان شيئاً آخر. كانوا يأتون في كل مادة نمتحن فيها بأكبر أساتذتها في البلد، يصطفّون حول مكتب كبير ويوضع أمامه كرسي يقعد عليه التلميذ الصغير، ويمدّ كل منهم يده إلى أغرب المسائل التي حفظها وأصعبها، يستخرجها من رأسه فيلقيها على رأس هذا الولد المسكين، لا يريد منه أن يجيب عليها، فهو يعلم أنه لا يقدر على الجواب ولا يكلّفه به منهج رسمي ولا عرف سائد، ولكنْ ليُظهِر علمه لرفاقه وليريهم