للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سعة اطّلاعه وطول باعه! ويأتي الثاني بأشدّ منها صعوبة وأكثر غرابة، كأنه امتحان للأساتذة الفاحصين.

يكون هذا في أول الامتحان، فإذا انتهوا من عرض عضلاتهم ألانوا وسهّلوا؛ لذلك كنا نتدافع الدخول في بداية الامتحان (١)، فإذا هانت شدّته ووَهَت حدّته تزاحمنا عليه وتسابقنا إليه.

وكان هذا الامتحان بإشراف حاكم دولة دمشق الذي عيّنه الفرنسيون، وهو حقي بك العظم. وهو رجل كان يطالب بأن يحكم سوريا الفرنسيون من قَبْل ميسلون، وكان يعلن هذا بلسانه وقلمه ويقيم عليه أدلّة يراها هو صحيحة. ولما جاءت لجنة «كراين» الأميركية لتستفتي الناس عمّا يريدونه كان هو -خلافاً لرأي الجمهور الأكبر من السوريين- يطلب الانتداب الفرنسي، مثله في ذلك مثل نوري باشا السعيد مع الإنكليز في العراق.

وقد تعجبون من اسم «دولة دمشق»، وحقّ لكم العجب؛ فقد أقام الفرنسيون في سوريا أربع دول لكل منها حاكم وفي كل منها حكومة: دولة دمشق، ودولة حلب، ودولة الدروز، ودولة العلويين. وقديماً قال الشاعر (٢):

ممّا يزهّدني في أرضِ أندلسٍ ... ألقابُ مُعتضدٍ فيها ومُعتمدِ

ألقابُ مملكةٍ في غيرِ موضعِها ... كالهرِّ يحكي انتفاخاً صَوْلةَ الأسدِ


(١) أي يدفعه كل واحد منا عنه
(٢) ابن رشيق القيرواني. ورُوي عجز البيت الأول في الديوان: «سَماعُ معتضد فيها ومعتمد» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>