للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دولة دمشق التي كانت على أيام الوليد بن عبد الملك تمتدّ من قلب فرنسا إلى آخر المشرق وإلى أطراف الصين، وكانت الكلمة تخرج من الدار الخضراء وراء جدار القبلة في الجامع الأموي، فتمضي شرقاً وتمضي غرباً لا يقف أمامها شيء ولا يردّها شيء، لا تلقى إلاّ الطاعة والامتثال في ثلث المعمور من هذه الكرة، في الأرض المسلمة التي تعيش «تحت راية القرآن»، كما عاشت معها يوماً تحت هذه الراية نصف أوربا يوم كان البحر الأبيض المتوسط بحيرة إسلامية وكنا بالإسلام سادة الدنيا ... هذه الدولة تقلّصَت أطرافها وتقطّعَت أوصالها، وتناكَرَ أهلها وتباعدوا فتضاءلت وتضاءلت حتى صارت «دولة دمشق»!

وهذه سنّة المستعمرين في كل زمان ومكان؛ عملهم قطع رابطة الإيمان بين المسلمين وربطه بروابط الجاهلية، قانونهم «فرِّقْ تَسُدْ» وعملهم كسر الحزمة عوداً عوداً لمّا عجزوا عن كسرها جملة. ولكن لا تخافوا؛ فالذي عقَدته يد الله لا تحلّه يد بشر، وقانون {إنّما المُؤمنونَ إخوةٌ} لا ينسخه قانون «الوطنية» ولا «القومية» ولا الروابط الحزبية والعقائدية (١) البشرية، ولا تميّعه وتضيّعه الدعوة «الأُممية» و «الإنسانية»؛ فالإسلام حقٌّ بين باطلَين: بين القومية وبين الأممية.

* * *


(١) إذا جرى الجمع مجرى العَلَم جازت النسبة إليه، فيجوز أن نقول: «قوانين عمّالية» و «قضايا طلابية»، كما قالوا «مسألة أصولية» و «مائدة ملوكية».

<<  <  ج: ص:  >  >>