للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد كان التلاميذ يفزعون من هذا الامتحان ويخشونه، ولكني كنت أترقبه متشوقاً إليه وما خفت منه في يوم من الأيام.

هل تدرون أن فينا، في أعماق نفس كلّ منا، خبايا وخفايا لا يعرفها صاحبها؟

أنا الآن، بعد هذا العمر وهذه الشيبة، لا أستطيع أن أزور أحداً من أصدقائي إن لم يكن معي رفيق، أما الذي لا تجمعني به صداقة وأُلفة تزول معها الكلفة فلا أقدر أن أزوره أبداً. لذلك أبتعدُ عن مجالس الأمراء والوزراء ولو كنت أشعر بالتقدير لهم أو الشكر والعرفان. ومن أصعب الأمور عليّ أن يزورني مَن أحتشمُه ومَن ليس بيني وبينه خلطة. ولقد اقترح من أيام أخٌ لا أعرفه في مقالة كتبها في جريدة «المدينة» أن يقيم لي أهلُ مكة حفلة تكريمية. لم يدرِ (جزاه الله على حسن مقصده خيراً)، لم يدرِ أن الذي اقترحه أعتبره تعذيباً وأفتدي نفسي منه بمرتّب نصف شهر، صدّقوني، ولطالما هربت من أمثاله. وأنا أعلم أن هربي مخالف للآداب الاجتماعية ولأعراف الناس، وأني أفتح على نفسي باب الظن بأني قليل الوفاء وأني لا أقدّر المعروف ولا أشكر عليه، أو أني مُستَعْلٍ متكبّر أو أنني جافٍ جافّ، وما بي والله شيء من ذلك ولكنه ما ذكرتُ. على أني إذا صرت داخل المجلس وجدت عندي من الأخبار والقصص والنوادر ما يسلّي الحاضرين ويسرّهم ويُفيدهم، ولكن الصعوبة في دخول المجلس.

فكيف كنت إذن لا أفزع من الامتحان ولا أتهيب لقاء الجماعات من وراء المنبر؟ وكيف أخطب في مئة ألف بلا استعداد فأرى ذلك أهون عليّ من حضور مجلس نفر من الناس؟

<<  <  ج: ص:  >  >>