انتهت رحلة الحجاز، وكل شيء في هذه الدنيا إلى انتهاء، ما لشيء فيها بقاء.
عدت إلى بلدي، مهد طفولتي ومرتع شبابي، وفرحت بعودتي ولكني أسيت على ما فارقت؛ على أني بعدت عن مهبط الوحي ومنزل النبوّة، وعن مواجهة القِبلة وأنا أصلي أراها أمامي عياناً، وعلى أني تركت البلد الحُرّ الذي لا يحكمه أجنبي ولا تلوح فوقه راية غريب كافر، أسيت على ترك بلد الإيمان والأمان، الذي لا يُعلَن فيه منكَر ولا يُجهَر فيه بفاحشة، ولا يتخلف فيه أحد عن الصلاة إذا نادى المؤذن:«حيّ على الصلاة».
عدت إلى بلدي المنكوب بالاستعمار، وإن بدل الاستعمار الثياب وغيّر اللوحة على الباب فسمى نفسه الانتداب. إلى البلد المفتَّح لكل الدعوات الباطلة والمذاهب الخبيثة، يندسّ فينا مَن ينشرها في أبنائنا، حتى إذا اقتنعوا بها شبّوا عليها، حتى إذا صار الأمر بأيديهم ساروا وسيّروا أمتهم عليها، ولكني -على ذلك- أعدّها بلادي: