كنّا أنا وأنور العطّار نتحدّث ساعات عن أيامنا في بغداد؛ أبدأ أنا الكلام فيكمّل هو، ويتكلّم هو فأُتمّ أنا. عشنا حياة واحدة، كنّا دائماً معاً، فمن رآني رآه ومن رآه رآني، وكانوا يقولون:«علي وأنور» و «أنور وعلي»، وربما خلطوا فقالوا: علي العطّار وأنور الطنطاوي.
هذا ما قلتُه في المقدمة التي كتبتها سنة ١٩٤٨ لديوانه «ظلال الأيام». فأين اليوم أنور ليذكّرني بأخبار بغداد التي قعدت لأكتبها وليس أمامي مذكّرات أرجع إليها ولا رفيق كان معي يذكّرني بها؟ هنا افتقدت أنور:«وفي الليلةِ الظَّلْماء يُفتقَدُ البَدرُ».
فأين أنور وأين مظهر، وأين إخواننا الذين كانوا معنا؟ وأين الأستاذ الأثري؟ لقد خبّروني أنه ذهب إلى رحمة الله فبثثت في هذه الذكريات بعض حبّي له وحزني عليه، فلما جاءت الحلقة الماضية مطبوعة وجدت فيها عند ذكر اسمه كلمة «حفظه الله» مكان «رحمه الله» التي كتبتها. وأنا لا أقبل من أحد -مهما كان السبب- أن يمدّ يده إلى ما كتبت فيزيد فيه أو ينقص منه أو يبدّل