من أقدم صور الحياة في رمضان صورة منقوشة في ذهني، كلما تذكرتها رأيت فيها رمزاً لحياتنا منذ ثلاثة أرباع القرن وحياتنا الآن.
في جامع بني أمية الكبير في دمشق أمام القبر الذي يقولون إنه قبر يحيىبن زكريا (وليس قبره) ثُريّا ضخمة جداً من قضبان متشابكة بحجم قبة مسجد من المساجد وعلى صورتها، معلَّق فيها مئات من السُّرُج. والسراج كوب صغير من الزجاج مثل كوب الشاي، فيه فتيل من القطن في قليل من الزيت. فكانوا يبسطون تحتها بساطاً واسعاً ليحمي سجّاد المسجد من وَضَر الزيت ثم يُنزِلونها حتى توضع على الأرض، ويُباشَر بإيقاد السرج من بعد صلاة المغرب إلى قُبَيل أذان العشاء، فيزدحم عليها الأولاد وقد عمّتهم فرحة عجيبة وغمرهم سرور لا يوصف، وهم يصعدون القبّة من جوانبها وبأيديهم أعواد الكبريت يقرّبون شعلتها من فتيل السراج حتى يشتعل. والقبة معلَّقة بحبل غليظ تدور به بكرة، فإذا أُوقِدَت شدّوا الحبل فارتفعَت والسّرُج تتراقص شعلها، فكأن سماء رُكّبت فيها (كما قال البحتري).