للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-١٩٨ -

في «آخِنْ» عاصمة شارلمان

الآن بعد أن بلغَت الحلقات المنشورة من هذه الذكريات مئة وسبعاً وتسعين أدركت أني لن أفلح في تدوينها، وأني كمن يرسله أهله في حاجة لهم يتعجلون قضاءها، قد حدّدوا له غايته ورسموا له طريقه، فمشى متمهلاً، كلما أبصر جمعاً من الناس وقف عليهم أو سمع متكلمين أصغى إليهم، وبدلاً من أن يمضي في طريقه قُدُماً جعل يسلك ذات اليمين مرة وذات الشمال.

فأنا كلما حزمت أمري واستقمت في سيري جاءني صارف يصرفني. ورد عليّ اليوم من آخن في ألمانيا مطبوعتان: إحداهما نكأت عليّ جرحاً حسبت أنه اندمل، ذكّرتني بأكبر صَدْع أصاب قلبي، ثم لم أستطع أن أسخّر لوصفه قلمي وأنفّس بما أكتب عن نفسي. لقد خانني هذا القلم الذي صحبته ستّين سنة فكان دائماً أسرع مني إلى ما أريد، وكان يشفي الفؤاد ويصيب الغرض، فما له اليوم وقف فما يسير؟ هل أدركه الكبر كما أدرك صاحبَه؟

نعم، ومَنْذا الذي لا يصيبه الهرم؟ النسر الذي لا يرتضي لعشّه إلاّ الصخور العوالي في شُمّ الذرى ويضرب بجناحيه في

<<  <  ج: ص:  >  >>