قعدت أكتب هذه الحلقة من الذكريات وأمامي على الجدار «تقويم أم القرى»، وتحت يدي جرائد قديمة أقلّبها، أشغل عقلي بها لينطلق عقلي الباطن حراً يفكّر كما يريد، يعمل وحده كما يعمل المِحساب (الكمبيوتر) إذا ألقيت إليه بأصول المسائل، يدور حتى يصل إلى جميع فروعها.
ووقع نظري على التقويم فإذا العام الغربي الجديد (١٩٨٧) يبدأ اليوم، وإذا أنا أستخرج عدداً قديماً من جريدة «فتى العرب» صادراً سنة ١٩٣٠ (١٣٤٨هـ)، وكنت يومئذ محرّراً فيها، وفي العدد مقالة لي عنوانها «نشيد الوداع» أودّع بها العام الذي مضى وأستقبل العام الذي قدم.
إنها مصادفة ما تعمّدتها، ولكني تمسّكت بها لمّا وجدتها. مقالة مرّ عليها الآن تسع وخمسون سنة قمرية، تبدّل فيها أسلوبي كما تبدّلَت الدنيا كلها من حولي، فهل عليّ من حرج إن أنا أعدت نشرها هنا؟ إنها مكتوبة على صورة فقرات مرقَّمة، لست أدري ماذا أردت بترقيمها، ولست أرتضي كل ما جاء فيها، وإن كانت مني لا أستطيع أن أُنكِرها. هل تملك أن تتبرأ من ولدك إن لم