نحن كالنمل. هل رأيت قرية النمل؟ ادنُ منها ترَ حركة دائبة وصفوفاً متعاقبة، كلّ واحدة تأخذ بعقِب أختها فتمشي وراءها. كنت أحسب أنّ لها غاية تريد بلوغها، ثم علمت أنها تدع مِن أثرها شيئاً له رائحة، تهدي رائحته التي بعدها فتتبع سبيلها، فإذا مسحت بإصبعي طريقها اضطرب حبلُها واختلّ سيرها.
أليس هذا مثال البشر؟ بعضهم يموج في بعض، منهم من يمشي يميناً ومن يمشي شمالاً، وكلٌّ مسرع لا يقف، وكلٌّ يحسب أن طريقه هو الصراط المستقيم. وهل أنا إلاّ واحد من الناس أمشي مشيهم وأصنع صنيعهم؟ أصبح فأعدو نهاري كله، فإذا جاء الليل هجعت أستريح، ثم غدوت لأعود فأعدو من جديد.
لا أقف إلاّ مرة في رأس كل سنة. أقف قليلاً لأنظر أمامي لأرى إلى أين أسير، وأنظر ورائي لأرى كم قطعت من الطريق. أفتح دفاتري وأصفّي حسابي، كما يصنع التاجر عند الجرد السنوي إذ ينظّم موازينه ليبصر كم ربح وكم خسر. واليوم (الأربعاء ٢٣ جمادى الأولى) هو يوم الجرد، في هذا اليوم من سنة ١٤٠٥