ختمت ثمانياً وسبعين صفحة من كتاب حياتي الذي لا أدري ولا يدري أحد كم عدد صفحاته، لأن النسخة الأصلية لا يستطيع أحد أن يراها، فهي في كتاب مكنون مخبوء، ما فرّط الله في هذا الكتاب من شيء.
وليس المراد بالكتاب الذي ما فرط فيه من شيء القرآن، بل هو كتاب القدَر الذي انفرد بعلمه الرحيم الرحمن، لا يعلمه نبيّ مُرسَل ولا ملَك مقرَّب. إنه غيب ولا يعلم الغيب إلاّ الله.
فتحت اليوم (٢٣/ ٥/١٤٠٥هـ) الصفحةَ التاسعة والسبعين، فمتى تُغلَق؟ وهل أقدر أن أعود إلى ما قبلها فأصحّح ما فيه من أخطاء مطبعية أو ما فيه من أغلاط فكرية؟
إن من رحمة الله بنا أن جعل لي ذلك، أعود إليها ولكن بالذاكرة، وأصحّح ما فيها بالتوبة. فاللهمّ إني تبت إليك فتُب عليّ، وجئت أستغفرك فاغفر لي، فلقد أيقنت والله الآن أن لذائذ الدنيا سراب وأن مخاوفها أوهام، وأنها كلها رؤى منام أو أضغاث أحلام.
كتابة على الماء، يموج الماء فيمحوها، يمحوها أمام عينك ولكنها ثابتة أمام الله، لا تضيع منها صغيرة ولا كبيرة يُحصيها ليحاسبنا عليها. دنيا كالذي تراه في لوحة الرائي (التلفزيون): مناظر جميلة وجبال وأنهار وناس وبهائم، عالَم كامل، ولكن إذا أدرت المفتاح أو انقطع تيار الكهرباء ذهب كلّ ما ترى في لمحة فكأنه ما كان.