تركت النبك وقد حملت منها طاقة من أجمل ذكرياتي، وقضيت فيها أياماً من أحلى أيام حياتي، وأخذت منها دروساً نفعتني في عملي.
نُقلت إلى دوما خلَفاً للشيخ أنيس الملوحي الذي درّبني على القضاء، وكان قبله فيها الشيخ عبد الفتاح الأسطواني، وقبلهما الشيخ الفقيه الحنبلي الشيخ حسن الشطي رحم الله الجميع. والموظف الذي يُنقَل إلى دوما إنما يُنقل إلى دمشق لأن دوما حيّ من أحياء دمشق، وإن كنّا نراها يومئذ بعيدة عنها ونرى ذهابنا إليها سفراً. والمسافة بين دمشق ودوما أقلّ من المسافة بين دارَي ابنتَيّ في جدة في حيّ الجامعة ودار ابنتي الثالثة في حيّ الحمراء! اتسعت المدن وتدانى البعيدان وسَهُلت المواصلات، فصرنا نرى قريباً ما كنّا نعدّه من قبل بعيداً.
كنت أنام في بيتي في دمشق، أغدو على المحكمة صباحاً وأروح منها ظهراً، ولكنني أقضي على الطريق إليها مثل الذي تُمضيه الطيارة اليوم ما بين جدّة والقاهرة أو جدّة وعمان؛ ذلك أننا كنّا في أيام الحرب في شدّتها وفي عضّتها، المواصلات صعبة