بقيَت كلمة واحدة من حديث أمي، أقولها وأختم الحديث. انتهت المعركة ورجعت منها مهزوماً مَحطوماً، لأنها المعركة التي لا يمكن أن ينتصر فيها أحد من البشر؛ هي معركة الحياة والموت. وبدأت معركة أخرى ينتصر فيها مَن أقدم وثبَتَ ويندحر من توانى وهرب، معركة العقل و «التقاليد»، بيني وبين عمّتي التي هي أكبر من أبي، والتي لم أكُن أحبّ أحداً بعد أمي مثل حبها ولم يكن لأحد فضل عليّ في طفولتي (بعد أمي) مثل فضلها، وبين خالتي التي كانت الأم الثانية لأمي. وكانت المعركة على ترتيبات المأتم، أي على هذه العادات التي ابتدعها الناس فتنكّبوا فيها جادة العقل وخالفوا فيها عن أمر الشرع، وجعلوا من الموت الذي هو الموعظة الكبرى تقاليدَ حمقاء ما فيها إلا الإنفاق والنفاق والكثير من الإرهاق.
جعلوا للرجال «الصّباحِيّة»، وهي أن تُصَفّ الكراسي في غرف الدار كلها، وربما ضمّوا إليها بعض الغرف من منازل