أحدّثكم اليوم عن رحلتنا إلى الحجاز. تقولون: وما رحلة إلى الحجاز، وكل يوم يذهب من دمشق إليه ناس ويعود ناس؟ وهل كشفتم في هذه الرحلة أميركا؟
لا، ولكن الذي لقيناه فيها من المتاعب والمصاعب إنْلم يزِد على ما لقيَه كولومبس وأصحابه فإنه لا يكاد يقلّ عنه. وحسبكم أنه مرّ الآن على هذه الرحلة خمسون سنة كاملة (كانت سنة ١٣٥٣هـ). ولا تزال أحداثها متمكّنة من ذهني ماثلة أمام عيني.
أمضينا فيها على الطريق من دمشق إلى مكّة ثمانية وخمسين يوماً، لم نكُن نمشي فيها على الحرير ولم نتقلب في نعيم الراحة والأنس والأمان، ولم نكن نسلك الجادّة التي يؤمَن فيها العثار، بل كنّا نعتسف البوادي، نسير في أرض نبصر أولها ولا ندري إلى أين ينتهي بنا آخرها، نطأ الحجارة، نواجه الصخور، نغرق في كثبان الرمل الناعم، فنخرج من سياراتنا ونربط الحبال بأكتافنا