للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنت أقف على رأس كلّ سنة فأصفّي حسابي مع الزمان، ولكنْ كَبُر الآن رقم الحساب وطال العمر، وما عدت أستطيع أن أشمل كلّ الذي رأيت في عمري بنظرة، ولا أن أحصره في فكرة، ولا أن أصوّره في مقالة.

إني لأفكّر الآن: ما الذي قدّمته لآخرتي في هذه السنوات الطوال؟ ما الذي نفعت به الناس؟

لقد طُبع ممّا كتبت إلى هذا اليوم أكثر من أربعة عشر ألف صفحة، وما لم يُطبع كثير. لقد علّمت في المدارس من سنة ١٩٤٥. إنها ستّون سنة، بدأت التعليم قبل أن أُكمِل التعلّم، علّمت في المدارس الأولية في القُرى وفي الابتدائية والمتوسطة والثانوية، ودرّست في الجامعات وفي أقسام الدراسات العُليا فيها، في الشام وفي العراق وفي لبنان وفي الرياض وفي مكّة. علّمت بنين وبنات، علّمت مشايخ وأفندية، ألقيت محاضرات في النوادي ودروساً في المساجد، وخطباً في المظاهرات وفي الشوارع والساحات. والله وحده الذي يعلم عددها. وضعت أو شاركت في وضع قوانين كثيرة ومناهج للمدارس الشرعية.

فما الذي بقي لي من ذلك كله الآن؟

إن كان عملي للدنيا وحدها فما بقي شيء: المال الذي دُفع لي أُنفِقَ وذهب، والتقدير الذي أرجوه من الناس نُسِي وراح، وكذلك يكون العمل للدنيا. وإن كان شيء منها لله، قد خَلُصَت فيه النيّة وصفي القلب وأُريدَ به الله والدار الآخرة، فهذا الذي يبقى عند الله ويسبقني ثوابه إلى الدار الآخرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>