للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلادي وإن جارَت عليّ عزيزةٌ ... وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرامُ

عدنا إلى دمشق، وكانت دمشق لا تزال لأهلها، أحياؤها معروفة وأهل كل حي يتعارفون بينهم. وكانت الأحياء تتسابق إلى الخير وتتنافس عليه، فلما عدنا بعد أن حقّقنا ما كان يعدّه أكثر الناس مستحيلَ التحقيق، وهو وصول السيارات من دمشق إلى مكّة، وبعد أن انقطعَت أخبارنا مدّة كتبَت فيها الصحف وتساءل الناس وخافوا علينا، فكانت لعودتنا فرحة عامّة في دمشق، وتبارت الأحياء في استقبال أبنائها من أعضاء الرحلة وفتح الأعضاءُ بيوتَهم للمهنّئين. أمّا الوجهاء منّا وذوُو المال من أصحاب المنازل الكبيرة والخدم والحشم فقد زيّنوا دورهم والطرقَ المؤدّية إليها، وأوقدوا المصابيح سلاسل على جوانبها كما يكون في بيوت الأعراس في مكّة، وفتحوها للمئات والمئات من المهنّئين. أما أنا فكنت أسكن في طريق مسجد القصب الذي يكاد يُعَدّ يومئذ من أطراف دمشق، ما كان فيه إلاّ البساتين وبيوت قليلة بُنِيَت في أطرافها في شارع بغداد الذي فُتح أيام الثورة سنة ١٩٢٥، أي قبل رحلتنا هذه بعشر سنين. وكان خالياً، ما قامت على جوانبه إلاّ بيوت معدودة، أمّا داري فمساحتها كلها بمقدار بهو واسع من دور الأغنياء المترَفين، كانت داراً خشبية تدخل منها إلى رحبة مكشوفة في صدرها غرفة لا تزيد على أربع أذرع في أربع، والرحبة في مثل سعتها، يصعد منها درَج من الخشب في وسطه غرفة صغيرة إلى غرفة عليا كالغرفة الأرضية؛ هذه هي الدار كلها.

وأراد أهل حيّنا أن يباروا الأحياء الأخرى، فجمعوا من

<<  <  ج: ص:  >  >>