للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرفته في الطريق إلى مكتب عنبر، يمرّ يحمل كتبه وغداءه في «سَفَرْطاس» (وهو طبقان أو ثلاث بعضها فوق بعض يجمعها نطاق تُحمَل منه)، يمشي قُدُماً لا يكلّم أحداً، يحسّ من يراه أنه «ولد مؤدّب». ثم عرفته من قرب، وكان في صفّ محمد المبارَك الذي تخرج فيه جماعة من الأعلام: المبارك الذي عرفتموه هنا، وفؤاد جبارة الذي صار من كبار القضاة، وعلي أسعد الخانجي وكيل وزارة الخارجية، وأحمد الحاج عبود الفتيح الذي صار وكيل وزارة المعارف والأمين العامّ لرياسة الجمهورية، وداود تكريتي المحامي، ورفيق الفرّا ووجيه القدسي الأستاذان في الجامعة، ومختار وصفي الجابي الطبيب، وفريد السكري أمين سرّ الجامعة، وكلهم كانوا بعدي بثلاث سنوات، وقد مضى أكثرهم إلى لقاء ربه.

وكان يخرج من كل صف (في كل سنة) جماعة من النابغين لا نكاد نجد مثلهم الآن، على كثرة المدارس وفشوّ التعليم. ولما ذهبنا إلى العراق مدرّسين في ثانوياتها سنة ١٩٣٦ اجتمعنا فيها أنا وهو وأنور العطار رحمهما الله وأحسن خاتمتي. ولما كانت فورة القومية في العراق (١٩٣٨ - ١٩٣٩)، وكان الذي تولّى كبرها سامي شوكت المدير العام للمعارف، كان أحد ثلاثة ثبتوا على الدعوة الإسلامية وأبوا القومية التي تنافيها وتخالفها، فنفوهم إلى بلاد الأكراد: مظهر إلى إربل (وتُسمّى اليوم إربيل)، وعبد المنعم خلاّف إلى السليمانية، وعلي الطنطاوي إلى كركوك. فاستقال عبد المنعم وعاد إلى بلده مصر، وذهبنا نحن ثم استقلنا. سبقته أنا إلى العودة إلى الشام وبقي بعدي أشهراً حتى قامت الحرب فرجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>