للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رافقته في الصغر وفي الكبر، وفي الحضر وفي السفر، وفي الصفو وفي الكدر، فما رأيت فيه إلا مسلماً تقياً، وصديقاً وفياً، ومؤمناً قوياً، ما بدّلته الليالي ولا غيّرته المناصب ولا غرّته الدنيا، أصيبَ من سنين طويلة بمرض عصبيّ مثل الفالج لا أعرف اسمه، فما منعه من العمل ولا من الكتابة. وكان آخر عهدي به صيف سنة ١٣٩٨، ما رأيته بعدها ولا رأيت الشام. رحم الله أحمد مظهر العظمة وأنور العطار، ورفاقنا الذين تلاحقوا حتى لم يبقَ منهم إلاّ الأقل:

يودّعُ بعضُنا بعضاً ويَمضي ... أواخرُنا على أثرِ الأوالي

وغدا مَثَلي قول شوقي:

مالَ أصحابُهُ خليلاً خليلا ... وتولّى اللّداتُ إلاّ قليلا

نصَلوا أمسِ من غبارِ الليالي ... ومضى وحدَهُ يحثُّ الرّحيلا

اللهم اجعله رحيلاً إلى رحمتك لا إلى عذابك، اللهم اغفر لي ولمن قال: آمين.

* * *

أعود إلى ذكرياتي؟ وأنّى لي أن أعود؟ لقد عزفَت نفسي عن حديث الذكريات. بلغَت الحلقات التي نُشرت ستّين وأنا لا أزال في سنة ١٩٣٢، لا أزال في أول الطريق ولا تزال أمامي ذكريات نصف قرن كامل فيها أكبر أحداث حياتي، ولقد تبدّلَت فيها الدنيا من حولي، فهل أعيش حتى أسجّلها؟ وإن عشت فهل أذكرها، وما عندي شيء مكتوب أرجع إليه وأعتمد عليه؟ وإن ذكرتها

<<  <  ج: ص:  >  >>