للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسجّلتها فما حاجة القرّاء إليها وما استفادتهم منها؟ بل ما انتفاعي أنا بها في آخرتي إذا ودّعت دنياي؟

يا أخي الأستاذ رئيس التحرير، لقد مر وقت طويل على وضع استقالتي بين يديك، أفلا ترى أن من الخير لي وللقراء أن تقبلها وأن تعفيني؟

لقد أخذت الآن ورقة وكتبت أسماء من كانوا هم رفاقي على طريق الحياة، من كنت أشاركهم حلوها ومرّها، من كنت ألقاهم ويلقونني وآنس بهم ويأنسون بي، ومن كنت أزور من أساتذتي ومشايخي وغيرهم من أولي الفضل عليّ، ومَن كان يخطب معي في الاجتماعات التي كنت أخطب فيها ومن كان يكتب في الصحف والمجلات التي كنت أكتب فيها، ومن كان على مشربي أؤيّده ويؤيّدني ومن كان خصماً أحاربه ويحاربني ... كتبت أسماء مئة وتسعة وسبعين ممّن خطرت أسماؤهم على بالي، كان كل واحد منهم جزءاً من الدنيا التي أعيش فيها، ونظرت فوجدت أنه لم يبقَ منهم إلا ثلاثة وعشرون؛ يتساقطون واحداً بعد واحد يوماً بعد يوم، فلماذا أنتظر حتى يصبح القرّاء في يوم ثلاثاء فيأخذوا «الشرق الأوسط» فلا يجدوا حلقة الذكريات، بل يجدوا اعتذاراً عن عدم نشرها لأن كاتبها لم يَعُدْ يستطيع أن يوالي كتابتها فقد أدركه الأجل:

ما زالَ يدأَبُ في التاريخِ يكتُبُه ... حتى غدا اليومَ في التاريخِ مكتوبا

وربما كُتبت يومئذ في رثائي فصول ومقالات، وربما أثنوا

<<  <  ج: ص:  >  >>