أمّا الحنين إلى الماضي فهو شيء طبيعي؛ لأن الإنسان لا يعرف قيمة النعمة إلاّ عند فقدها: الطعام الآن أمامك والشراب البارد تحت يدك، فهل تقدّرهما كما تقدرهما وأنت صائم في نهار الصيف الطويل؟ هل تعرف نعمة الأمن إلاّ عند الخوف، والصحة إلاّ عند المرض، والإقامة إلاّ عند السفر؟ كذلك الشيخ لا يعرف قيمة الشباب إلاّ عند فقده.
الشباب في الشام والعراق لهم نشيد مشهور هو «نحن الشبابُ لنا الغدُ»، فما لنا نحن الشيوخ غير الأمس؟ لذلك نأسى عليه ونحنّ إليه. ومن هنا سَمّى العربُ الشيخَ الكبير «الكُنْتيّ»، لأنه يكثر أن يقول: كنت وكنت ...
* * *
أما المناهج فلقد درسنا في الثانوية من المواد ما يدرسه الطلاب اليوم، ودرسنا ما لا يدرسه الطلاب اليوم، كعلم آداب البحث والمناظرة والطبوغرافيا (أي علم التخطيط ووضع الخرائط) والحساب التجاري (وكنا نسميه علم «مَسك الدفاتر»، أي المحاسبة)، ودرسنا في الكيمياء والفيزياء والفلك آخر ما وصل العلم إليه في أيامنا. ولكن العلم تَقدّم واتّسع، ولقد شاهدت من سنين درس كيمياء في الرائي فرأيت شيئاً جديداً، ولقد سألت صاحبه أن يعلّمنيه أو أن يدلّني على كتاب مفهوم أتعلّم منه، فحَسِب أني أمزح وأخذها على أنها نكتة! وما كنت مازحاً بل كنت جاداً كلّ الجدّ، فأنا أحب أن أتعلم كلّ شيء.
أما إقبالنا على العلم فقد كان أكبر من إقبال الطلاب الآن