للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من غير شك. وسبب ذلك أمران. الأول: أننا كنا في بداية يقظة فكرية جاءت بعد نوم طويل، والثاني: أنه لم تكُن عندنا هذه الصوارف التي تصرف الطلاب عن العلم والمعلّمين عن حسن الاستعداد للتعليم. ما كانت إذاعات، ولا كان هذا الرائي ولا كان شريط التسجيل، ولا كانت هذه المجلات، ولا كانت الأسفار بالطيارات ولا الجَولات في السيارات ...

نعم، كان عندنا داران للسينما الصامتة لا يدخلهما إلاّ من سفه نفسه. وكانت دمشق -عدا المرجة وما حولها، وباب توما والقصّاع وهما مسكن النصارى- كانت تنام من بعد صلاة العشاء. حتى المقاهي الشعبية لم يكُن يسهر روادها إلى أكثر من الساعة الثالثة أو الرابعة (بعد غروب الشمس) يستمعون إلى الحكواتي أو يشاهدون «كراكوز» (١) وهو خيال الظل، ثم يمضون إلى بيوتهم. وما وراء ذلك من اللهو لم أكُن أعرفه.

وأما المدرّسون فكان منهم أئمة في المواد التي يدرّسونها؛ كالمبارك الذي سقت طرفاً من حديثه والجندي الذي جئت أتحدث عنه، ومنهم أساتذة ما بلغوا هذه المنزلة، ومنهم من هو أقرب إلى العامية، ومنهم السيّئ، وحسبكم مثالاً على ذلك: مدرّس رسم جاءنا به الفرنسيون، وهو ولد خليع ماجن أبوه صاحب خمّارة، ولكن الطلاب أصلَوه من هزئهم به واحتقارهم


(١) ومعنى الكلمة بالتركية العين السوداء، أي صاحب العين السوداء. ولخيال الظل في كتب الأدب والتاريخ حديث طويل، وقد عرض لذكره الإمام الغزالي. وأشهر من كان يؤلّف رواياته وينظم أناشيدها ويلحّنها ابن دانيال طبيب العيون.

<<  <  ج: ص:  >  >>