للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المظاهرات، ثم كانت الثورة الكبرى، ثم عدنا إلى حرب الشوارع وسلاح الإضرابات والاضطرابات حتى كان الجلاء التامّ.

أقصد جلاء الأجنبي بجيوشه عنا، حتى لم يبقَ له جندي واحد يخطر على أرضنا، ولا قلعةٌ مدافعُها موجّهة إلينا، ولا رايةٌ ترفرف فوق رؤوسنا. تم هذا الجلاء، ولكن لم تجلُ أفكاره عن رؤوس أولادنا، ولا مبادؤه عن أحزابنا، ولامناهجه عن مدارسنا، ولا قوانينه عن محاكمنا. وهذا هو الاستعمار الذي يهون معه استعمار الديار. إن البذور التي بذرها المستعمر قبل رحيله أنبتت نباتاً لم نذق مثل مرارته أيام الاستعمار، وكان ما أبقاه فينا بعد نزوحه عنا أشدَّ علينا مما حمله معه لمّا جاءنا.

فكيف أخرجَت أرضنا السم الذي يودي بنا؟ كيف رأينا ممّن خرج من أصلابنا من هو أنكى علينا من عدوّنا؟ دعوني أقُل كلمة ليست من الذكريات. لقد رأيت في هذا العمر الذي عشته مِن تبدّل الدول وتحوّل الأحوال ما هو عبرة من العبَر لمن شاء أن يعتبر. إنه ما مرّ بنا عهدٌ -على كثرة ما مر من عهود- إلاّ بكينا فيه منه، وبكينا بعده عليه! أفقُدّر علينا أن نستكبر الشرّ فنأباه، ثم نرى ما هو أكبر منه فنطلبه فيأبانا؟

استكبرنا التقسيم في فلسطين ثم رأينا ما هو أكبر منه فطلبنا التقسيم، وأبينا ما كان قبل سنة ١٩٦٧ ثم عدنا نطالب بإزالة آثار العدوان والعودة إلى ما قبل ١٩٦٧! وأمثلة كثيرة على هذا الأصل.

هذا واقع السياسة وموقف أهلها. أما نحن، نحن المسلمين،

<<  <  ج: ص:  >  >>