الدنيا ويشغل أدبه الناس لا يساوي عند الله طرفاً من جناح ذبابة، كابن هانئ وأبي نواس من الأولين، وكثير من الشعراء والأدباء في الآخِرين.
وكنت أنبّههم إلى نصوص في الأدب لا يلتفت إليها المدرّسون وواضعو المناهج، ويشتغلون عنها بما كتب الحريري والصاحب بن عبّاد في المقامات، وما في ذلك كله إلاّ رصفألفاظ وتلاعب بها، كساحر السيرك حين يُخرِج من كفّه عشرات المناديل الملوَّنة ويأتي بما يحسبه الناس حقاً وهو باطل في باطل.
كنت أُرشِدهم إلى نصوص في السيرة فيها قصص أدبية كاملة، تجمع مع صحّة الحديث ومع أنها حقّ لا يداخله شيء من الباطل، تجمع شروط القصة كلها؛ كقصة الإفك حين ترويها أم المؤمنين عائشة، وقصة كعب بن مالك لمّا تَخلّف عن تبوك، وقصة عمر لمّا سمع أن الرسول طلق نساءه. وكنت أنبّههم إلى كلمات تسمو إلى أعلى درجات الفصاحة والبيان ولا يكاد يهتمّ بها أساتذة الأدب والإنشاء، كتوقيعات الخلفاء والأمراء التي تجدونها في مثل «العقد الفريد»، كلمات قليلة تجمع من بلاغة اللفظ ومن عمق المعنى ما لا يكون في الكلام الطويل. وفي كتب الفقه الأولى قبل أن تفسد الملَكة ويختلّ الأسلوب كالأم للشافعي والمبسوط للسّرَخْسي. وقد كنت أقرأ فيه صفحات كثيرة لا لمعرفة الحكم الفقهي ولكن للاستمتاع بذلك البيان!