للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس من أصحاب الأساليب الأدبية التي يعرف الناظرُ إليها صاحبهَا وإن لم يَرِد اسمه معها. وعلى الضدّ منه زكي مبارك، فهو صاحب أجمل أسلوب في العربية في هذا العصر، ولكنه ضحل الأفكار. ولقد قرأت كتابه «ليلى المريضة في العراق» ثلاث مرات، مرة لمّا كان ينشره مقالات في الرسالة، ومرتين لمّا جُمعَت هذه المقالات في كتاب، ولا آبى أن أقرأه مرة رابعة، ثم إن سألتَني بعد هذا كله: ماذا يعني بليلى المريضة بالعراق؟ أهي امرأة بعينها أم هي رمز من الرموز وكناية من الكنايات؟ لقلت لك إنني لا أدري!

ومن الكتّاب من يكتب بأسلوب الصحفيين، لكنه أعلى منها. والأسلوب الصحفي بليغ في موضعه ولكنه لا يصلح للأدب، فليس فيه مزيّة تستدعي الإعجاب ولا عيب يستوجب النقد. ومن هؤلاء توفيق الحكم وأحمد أمين وحسين (لا حسنين) هيكل. وأكثر ما يُفيد ناشئةَ الأدب من هؤلاء وينير لهم طريق الكتابة هو أحمد أمين، لأنه يأخذ من الحياة مشهداً يشهده أو قصة يسمعها أو خبراً يقرؤه فيبني مقالته عليه، و «فيض الخاطر» في رأيي أنفع كتاب يتعلّم فيه المبتدئ الإنشاء.

ولست أريد الآن (ولا أقدر إن أردتُ) أن ألخّص كل ما قلت لهم وما ألقيت عليهم، أو أن أستقصي كبار كتّاب العربية فأصف أساليبهم جميعاً، ولكني أقول إني حرصت على أن أربّي في الطلاب الحسّ الأدبيّ، وأن يفرّقوا بين الأدب الأصيل والأدب المقلَّد، بين الذهب الخالص والنحاس المطليّ بالذهب. وكنت أنبّههم إلى أن المقاييس تختلف، فما يرجح في ميزان الأدب قد يكون مرجوحاً في نظر الدين، ورُبّ أديب أو شاعر يملأ اسمُه

<<  <  ج: ص:  >  >>