الشوارع لا نلقى فراشاً نُلقي بأنفسنا عليه، ونحن في بروكسل التي يراها الناس إحدى المدن الكبار.
إن كل إنسان يحبّ بلده، ولكن البعيد عنه يزداد حبه إياه وشوقه إليه. فواشوقاه إلى دمشق وإلى بيتي فيها! ما لي ولبروكسل وغير بروكسل؟ إن الذي يسافر إلى أوربا من غير حاجة للدراسة في جامعاتها أو التداوي في مستشفياتها أو لمقصد معيّن له فيها إنما يُتعِب نفسه في غير طائل، حتى الدراسة الجامعية فإن عندنا هنا في المملكة وفي البلاد العربية ما يُغني عن طلبها في غيرها، وكذلك المستشفيات ومَن فيها من الأطباء، اللهمّ إلاّ في بعض التخصصات الجامعية النادرة أو الأطباء العالَميين الكبار، وقليل ما هم.
مَن ذهب إليها فليذكر عظمة ماضيه ونموّ حاضره، ولا ينظر إلى ما فيها نظر البدوي الذي يرى الحضَر أول مرة فيدهشه كل ما فيه، بل نظر الغنيّ لمَن هو أغنى منه والعالم لمن هو أعلم. وما زالت الأمم تتفاوت في المزايا تفاوُت الأفراد، ولا يغضّ من قَدْر الإنسان أن يستفيد من مزايا غيره والحكمةُ ضالّة المؤمن. والضالّة مُلكٌ له ندَّتْ عنه وفرّت منه، فهو يلتقطها حيثما وجدها لأنه أحقّ بها فهو صاحبها.
مرّت هذه الخواطر كلها في نفسي، ولكن لم تُرِح جسدي ولم تُغنِ عني ولم توصلني إلى فراش أستطيع أن أُلقِي بجنبي عليه. ولبثنا ننتظر، فانتظروا معي إلى الحلقة الآتية.