للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبدو أنه من أحياء المترَفين الأغنياء فقرع باباً، فخرجَت لنا عجوز متكبرة شامخة الأنف، فلما أبصرَتني وأبصرت زوجتي بحجابها أنكرتنا ولوَت وجهها عنا وأبت أن تستقبلنا، فهممت بالرجوع، فقال الأستاذ نديم: انتظر. وعاد إليها قال لها: هؤلاء أصدقاء الدكتور الهوّاري.

فرأينا شيئاً أدهشنا؛ تبدّلَت سحنتها وانبسط ما كان منقبضاً من وجهها، فكأننا كنا في يوم من أيام شباط (فبراير) في رعده وبرقه وزمهريره فانجلت السحب وطلعت الشمس وبدا وجه السماء! ورحّبت بنا وأدخلَتنا إلى غرفة عالية واسعة فاخرة الفرش، ولكنها قالت لنا إنها لا تخدم أحداً وإن علينا إذا أردنا شيئاً أن ننزل بأنفسنا إلى المطبخ فنأخذ ما نريد. وأبَت غير ذلك وأبينا عليها ما عرضته علينا. وذهبنا نفتّش عن مكان غيره فلم نجد، فوقف الأستاذ عند كوخ الهاتف في الطريق وأخذ الدليل وجعل يسأل فندقاً بعد فندق فلم يجد فيها كلها مكاناً، وكان مَوْهن من الليل (أي نصف الليل) وكدنا نسقط من التعب، وعرفت عندئذ مبلغ نعمة الله على الإنسان أن يكون له بيت، ينام وهو آمن أن يدخل عليه أحد ينازعه مكانه ويسرق منه نومه ينغّص عليه ليلته.

وهنا عرفت مدى ضلال الذين يقولون للمرأة: اخرجي من بيتك حرام أن تبقي سجينة بين أربعة جدران. ويحكم ما أجهلكم! من الذي ضحك عليكم فقال لكم إن البيت سجن وإن من الظلم للمرأة أن تقعد بين أربعة جدران؟ إن السجين مَن لا يجد في مثل هذه الليلة وقد كدّه التعب وهدّه النعاس أربعةَ جدران ينام بينها ويغلق عليه بابها. نحن السجينان أنا وزوجتي، لأننا نتيه في

<<  <  ج: ص:  >  >>