لم يكن اسمها يوم أُنشئت كلية الآداب ولا كانت تابعة للجامعة، بل كان اسمها «مدرسة الآداب العليا» وكانت مرتبطة (إدارياً) بوزارة المعارف. وهذا النوع من المدارس موجود (أو كان موجوداً على أيامنا) في فرنسا، ففيها «مدرسة المعلّمين العليا»، وتُعتبر شهادتها أرقى من شهادات الإجازة (أي الليسانس) لأن طلاّبها يدرسون علوماً تزيد على ما يدرسه طلاّب الجامعة. وفيها المدرسة المركزية (إيكول سنترال) للهندسة، وهي التي تخرّج فيها رفيق صفّنا وجيه السمّان الذي جمع العلم وطرفاً من الأدب وصار وزير الصناعة أيام الوحدة بين سوريا ومصر، وفيها مدرسة الهندسة التطبيقية (البوليتكنيك)، وأحسب أنها تابعة للجيش. وجعلوا مديرها (أي عميدها، والحديث عن كلية الآداب) الأستاذ شفيق جبري، وهو أحد شعراء دمشق الأربعة، وقد عرفتموهم، بل هو أشعرهم. وكان يلقي كل أسبوع محاضرة واحدة، وكانت محاضرات السنة الأولى (١٩٢٩ - ١٩٣٠) عن المتنبي، وقد طبعها في كتاب سَمّاه «المتنبي، مالئ الدنيا وشاغل الناس».
وأذكر من أساتذتها أستاذَينا اللذين سبق مني الكلام عنهما واللذين جعلت إهداء كتابي الأول (الهيثميات) المطبوع سنة ١٣٤٩هـ إليهما: «إلى روح المنفلوطي سيد كتّاب العصر، وإلى حضرة شيخَي علوم العربية: الجندي والمبارك». وقد عرفتم أني سَمّيتُه «الهيثميات» لأنني كنت أنشر مقالات بإمضاء «أبوالهيثم».