وأذكر منهم الشيخ عبد القادر المغربي، نائب رئيس، فرئيس المجمع العلمي العربي في دمشق، وهو زميل السيد رشيد رضا صاحب «المنار»، وهو سَنينه (أي في مثل سنه)، يصغره بسنتين فقط. عاش أكثر من تسعين سنة ولم يفارقه نشاطه، يمشي على رجليه كل يوم ستة أكيال، طَلْق المُحيّا جميل الوجه أنيق الثياب، خفيف الروح صاحب نكتة ودعابة في أحاديثه وفي محاضراته، استفدت منه في اللغة، ولم يكن فيها بمنزلة الجندي والمبارك ولكن كان عنده ما ليس عندهما، هو أنه كان يمنح الألفاظ صفات الأحياء من الناس، فيتحدث عن المادة اللغوية حديثه عن الأسرة من الناس، يصوغ ذلك قصة يستهويك عرضها ويرسّخها في نفسك جمع مفرداتها وبيان القرابة بينها. ومن نظر في أعداد السنة الأولى من «الرسالة»(رسالة الزيات) وجد نموذجاً لذلك، وهو قديم الاشتغال بهذا الفن (والفن هنا بمعنى النوع لا الفنّ بالمعنى الخاصّ L’art) وقد أصدر كتابه المشهور «الاشتقاق والتعريب» سنة ١٩٠٨.
تشعر بأنه أديب حتى في بحوثه اللغوية والعلمية، وقد صحب جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده مدّة يسيرة. وله «تفسير جزء تبارك»، حاول فيه أن ينحو منحى الشيخ محمد عبده في «تفسير جزء عَمّ» ولم يستطع مجاراته. وأذكر أنه فسّر فيه السماوات بأنها مدارات الكواكب (أقول ذلك من ذهني وليس كتابه الآن تحت يدي)، أي أنه جعل السماوات أشياء وهمية، مع أن الله وصفها بأنها «بناء» وأنها جُعلت «سقفاً محفوظاً» وأن لها أبواباً، وأن الله زين هذا السقف بمصابيح وأن هذه المصابيح