للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان هذا هو الذي تعجّبوا منه: كيف يُقدِم على نسخة لمؤلّف قديم فيصحّحها من عند نفسه؟ ثم وجدوا نسخة أخرى من الكتاب فإذا الكلمة كما صحّحها.

كان العلم كله رواية لا دراية وكان حفظاً لا دراسة، كالذي ينقل أمواله من مصرف إلى مصرف أو يُبدِلها من عملة إلى عملة، ولكن لا يزيدها ولا يضيف شيئاً إليها. لم يشذّ عن هذه الصفة من كل من عرفت من علماء بلدي (وأنا أكاد أعرفهم جميعاً) إلاّ الشيخ سعيد الباني من دمشق والشيخ بدر الدين النَّعْساني من حلب. حتى الشيخ جمال الدين القاسمي كانت كتبه كلها وكان تفسيره المشهور جمعاً لأقوال العلماء، ما حقّق -فيما أعلم- مسألة فجاء فيها بشيء جديد.

وبقيَت هذه الخلّة عند المشايخ في دروس الدين إلى الآن، حتى في الجامعات. هل سمعتم أن طلاب الجامعة يُقرَّر عليهم في المادة كتاب واحد، يشرحه المدرس ويحفظه الطلاب ويُسألون منه يوم الامتحان؟ حتى في العلم الجديد الذي سمّوه الثقافة الإسلامية (وكان أول من درّسه نحو سنة ١٩٤٠ هو الشيخ راغب الطبّاخ في حلب وأنا في دمشق)، حتى هذا العلم الجديد صار له كتاب.

ولا تزال تَرِدُ على برنامجي في الرائي (التلفزيون) شكاوى الطلاب من هذا الكتاب، وقد أرسل إليّ أحدهم نسخة منه أشار إلى أبواب فيه مقرَّرة عليهم. فلا يغضب مني مؤلّفوه، وهم من أصدقائي، إذا خبّرتهم صادقاً أنني أحسست لمّا قرأته كأني أريد

<<  <  ج: ص:  >  >>